
٦ طرق يجعل بها الذكاء العاطفي عملية اتخاذ القرار أسهل
لماذا تبدو القرارات البسيطة صعبة — وكيف يمكن للذكاء العاطفي أن يساعد
بقلم: باتي فريدمان
كثرة الخيارات. كثرة الضغوط. قلة التواصل. ليس غريبًا أن نشعر بالإرهاق عند اتخاذ القرارات. عندما تكون مرهقًا، قلقًا، أو تحاول الموازنة بين أولويات متعددة، حتى القرارات الصغيرة قد تبدو مستحيلة. لكن الذكاء العاطفي يمنحنا أدوات لفهم مشاعرنا وقيمنا والسياق المحيط بنا، لنتمكن من اتخاذ قرارات تتماشى مع ما نؤمن به.
بالاستناد إلى أفكار الدكتورة إميلي فالك، مديرة مختبر علم الأعصاب الاجتماعي والعاطفي في جامعة بنسلفانيا ومؤلفة كتاب ما نقدّره: علم الأعصاب للاختيار والتغيير، إلى جانب مقابلة حديثة في مجلة فاست كومباني، نستعرض كيف يجعل الذكاء العاطفي عملية اتخاذ القرار أسهل، وأكثر معنى، وأكثر انسجامًا مع شخصك اليوم ومع من تسعى لأن تكونه.
إذًا، كيف نتجاوز حالة التردد والجمود، ونتحرك نحو خطوات فعلية؟
إليك ستة أفكار مدعومة بالأبحاث تشرح كيف يوازن دماغك بين الخيارات، بالإضافة إلى استراتيجيات في الذكاء العاطفي تجعل اتخاذ القرار أقل تعقيدًا.
١. دماغك يبحث عن المكافأة: استثمر ذلك لصالحك
نظام المكافأة في دماغك يعمل باستمرار على رصد النتائج التي تمنح شعورًا جيدًا، وهو يلعب دورًا أساسيًا في طريقة اتخاذك للقرارات. عندما يوفّر الخيار مكافأة عاطفية فورية (مثل الشعور بالراحة، أو الرضا، أو الارتباط بالآخرين)، فإن دماغك يضع علامة عليه كخيار أكثر قيمة ويمنحه الأولوية. لكن المشكلة هي أنّه في حالات الضغط النفسي، يميل هذا النظام إلى إعطاء الأولوية للراحة قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى.
تُظهر أبحاث إميلي فالك أن استثمار المكافآت العاطفية والاجتماعية — مثل الشعور بالمعنى أو بالفخر — يمكن أن ينشّط نفس المسارات العصبية، ويساعد على تحويل القرارات من ردود فعل تلقائية إلى قرارات مقصودة وواعية. كما نعرف من أبحاث أخرى أن السلوك الإيثاري، مثل العطاء أو مساعدة الآخرين، ينشّط مسارات المكافأة في الدماغ، مما يعزز الرابط القوي بين الهدف، والاتصال الاجتماعي، والمشاعر الإيجابية.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
فكّر في قرارك من منظور الفائدة التي سيحققها لك وللآخرين. اسأل نفسك: ما الذي سيجعلني أشعر بالرضا الآن، ويجعلني أشعر بالفخر لاحقًا؟
إضافة رائعة: إذا كان القرار سيفيد شخصًا آخر أيضًا، فدماغك سيكون أكثر ميلًا لاعتباره خيارًا ذا قيمة. الهدف والارتباط بالآخرين ليسا مجرد قيم نبيلة — بل هما أيضًا مجزيان عصبيًا.
٢. اتصل بصديق: لماذا يجعل التواصل اتخاذ القرارات أسهل
وجدت فالك أيضًا أنه عندما يهتم الأشخاص من حولنا بشيء ما، يميل دماغنا إلى الاهتمام به أكثر أيضًا. يُعرف هذا باسم تأثير التقييم الاجتماعي، ويعني أن رؤية الآخرين يتصرفون بدافع هدف أو قيمة يمكن أن تزيد من القيمة التي يمنحها دماغك لنفس الفعل.
تقول الدكتورة فالك: “عندما يهتم الأشخاص من حولنا بشيء ما، فإن نظام التقييم لدينا يميل إلى تقديره أكثر أيضًا. فالناس يتخذون خيارات غذائية أكثر صحة، ويمارسون المزيد من التمارين، ويتبرعون أكثر للجمعيات الخيرية، ويكونون أكثر استعدادًا للتصويت عندما يرون أن الآخرين يقدّرون تلك القرارات. هذه الأدوات نفسها تنجح مع قرارات أخرى أيضًا.”
(المصدر: علم الأعصاب في اتخاذ القرار، صحيفة نيويورك تايمز، يوليو 2025)
التواصل ليس مجرد مسألة عاطفية — بل هو أيضًا كفاءة عصبية. مشاركة خياراتك، مناقشة حالة عدم اليقين، أو حتى الشعور بأن هناك من يراك ويفهمك عند اتخاذ قرارات صعبة، يمكن أن يقلل من التوتر ويعزز التزامك بالقرار.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
هل تواجه صعوبة في اتخاذ قرار؟ تحدّث عنه. اسأل شخصًا: “ماذا كنت ستفعل — ولماذا؟” لست مضطرًا لاتباع نصيحته، لكن سماع طريقة تفكيره يساعد دماغك على الرؤية بوضوح أكبر واتخاذ القرار بثقة أكبر.
٣. اجعل الأمور الصغيرة تلقائية باستخدام خطة “إذا/فإن”
بعض القرارات لا تحتاج إلى الكثير من التفكير العميق، بل فقط إلى إشارة واضحة. يطلق علماء السلوك على ذلك نية التنفيذ، وهي وضع قاعدة بسيطة على شكل “إذا/فإن” تربط سلوكًا معينًا بإشارة محددة. تنجح هذه الطريقة لأنها تنقلك من دوامة التفكير المفرط إلى الفعل التلقائي، مما يوفر طاقتك الذهنية لما هو أكثر أهمية.
تساعدك خطة “إذا/فإن” على ربط واقعك الحالي بالمستقبل الذي تريده. أبحاث الرفاهية تشير إلى أن تخيّل مستقبلك المرغوب والتنبؤ بالعقبات المحتملة يمكن أن يسهّل الوصول إلى أهدافك. هذا يرتبط بمهارة تفعيل التفكير العواقبي في نموذج الذكاء العاطفي من Six Seconds؛ فعندما نتوقف لحظة، ونتطلع إلى الأمام، ونخطط لما هو قادم، نصبح قادرين على اتخاذ قرارات مقصودة وواعية.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
استخدم خطة “إذا/فإن” لتقليل العراقيل وجعل العادات المفيدة أسهل في التطبيق، خاصة عندما تكون طاقتك العاطفية منخفضة. اختر شيئًا تريد القيام به أكثر، واربطه بلحظة محددة في روتينك اليومي:
→ إذا أنهيت الغداء مبكرًا، فإنني سأخرج إلى الخارج لمدة ٥ دقائق.
→ إذا شعرت بالإرهاق، فإنني سأأخذ ٣ أنفاس بطيئة قبل الرد.
امنح دماغك خريطة تقوده نحو المستقبل الذي ترغب في صنعه.

٤. هل هذا أنا… أم مجرد منطقة الراحة التي تتحدث؟
قبل أن نقرر ما الذي سنفعله، يقوم دماغنا بفحص من نحن. تُظهر أبحاث علم الأعصاب أن نظام صلة الذات في الدماغ يسأل: “هل هذا يعبر عني؟” قبل أن يسأل: “هل هذا جيد؟” نحن نميل إلى إعطاء قيمة أكبر للخيارات التي تعزز هويتنا الحالية، حتى لو لم تكن هذه الخيارات هي الأكثر انسجامًا مع نمونا وتطورنا.
كما توضح فالك في مقابلتها مع مجلة فاست كومباني: “نحن نميل إلى تفضيل الخيارات التي تعزز هويتنا الحالية، أحيانًا على حساب الفرص والتجارب الجديدة.” هذا الانحياز نحو المألوف قد يمنحنا إحساسًا بالاستقرار، لكنه قد يحبسنا أيضًا في حالة من التردد أو في أنماط قد تجاوزناها.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
استخدم الذكاء العاطفي لإبطاء هذا النمط السريع من الحكم. قبل أن تختار، اسأل نفسك:
→ أي خيار يبدو أكثر تعبيرًا عن “أنا” الآن؟
→ وأي خيار يساعدني على أن أصبح الشخص الذي أريد أن أكونه؟
دع قرارك يكون دعوة للتطور، لا مجرد انعكاس لمنطقة الراحة.
٥. تأثير التملّك: نحن نبالغ في تقدير قيمة ما هو مألوف
هل سبق وأن تمسكت بمعتقد أو خطة لمجرد أنها مألوفة، حتى وإن لم تعد مفيدة لك؟ هذا هو تأثير التملّك في العمل.
ظهر هذا المصطلح لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي على يد خبير الاقتصاد السلوكي ريتشارد ثالر، وهو يصف انحيازًا معرفيًا يجعل الناس يمنحون قيمة أكبر للأشياء لمجرد أنهم يمتلكونها، بغض النظر عن قيمتها الحقيقية.
وينطبق الأمر نفسه على الأفكار التي نتعلق بها. تُظهر أبحاث علم الأعصاب أننا نميل إلى المبالغة في تقدير قيمة ما التزمنا به مسبقًا (بما في ذلك أفكارنا، وقراراتنا السابقة، ونماذجنا الذهنية)، مما يجعل التغيير يبدو محفوفًا بالمخاطر. سواء كان الأمر وظيفة، أو عادة، أو نمط تفكير، فإن المألوف يمكن أن يجعل البقاء أسهل حتى لو وُجدت خيارات أفضل.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
عندما يدفعك التردد نحو المألوف، توقف واسأل نفسك:
→ هل هذا القرار صحيح… أم أنه فقط مألوف ومريح؟
→ هل أنا أقاوم التغيير، أم أن هذا ما أريده حقًا؟
٦. أعد صياغة القرار لتحقق فوزًا مزدوجًا: المتعة + الهدف
تُظهر أبحاث فالك أن القرارات التي تجمع بين الإشباع الفوري والمعنى طويل المدى تخلق محفزات قوية. فهي تثير قيمنا المتجاوزة للذات (مثل رعاية العلاقات أو المساهمة في شيء أكبر منّا)، سواء من خلال أعمال صغيرة من اللطف، أو الكرم، أو الخدمة. تُظهر أبحاث تصوير الدماغ أن هذا المزيج ينشّط دائرة المكافأة mesolimbic reward pathway في الدماغ، ويفعّل مناطق الارتباط الاجتماعي التي تبعث شعورًا عميقًا بالرضا العاطفي، وتقلل من استجابة الدماغ للتهديد.
💡 نصيحة في الذكاء العاطفي:
عندما يبدو القرار مملًا أو مُرهقًا أو إلزاميًا، غيّر طريقة تفكيرك:
بدلًا من قول: “يجب أن أتناول السلطة لأحافظ على صحتي”، جرّب أن تقول:
“أختار طعامًا ملونًا ولذيذًا يمنحني الطاقة ويعكس التزامي بالرفاهية.”
تحقق فوزًا مضاعفًا عندما تجمع بين ما يمنحك شعورًا جيدًا الآن وما يقربك في الوقت نفسه من الشخص الذي تريد أن تكونه لاحقًا.
فكرة ختامية: تصبح القرارات أسهل عندما تبدأ بالإنصات لقيمك
تذكّر أن اتخاذ القرار عمل ذهني شاق. إذا بدا صعبًا، فهذا لأن دماغك يعمل بجد لحمايتك — من الندم، ومن المخاطر، ومن الإرهاق. لكن الذكاء العاطفي يمنحك أدوات للتعاون مع دماغك، لا العمل ضده.
من خلال الإصغاء لقيمك، واستثمار إشاراتك العاطفية، واستخدام أدوات مثل إعادة الصياغة للفوز المزدوج أو خطة “إذا/فإن” لأتمتة القرارات متى أمكن، يمكنك تبسيط العملية واتخاذ خيارات تشعر بأنها مناسبة لك — الآن وفي المستقبل.
ابدأ بخطوات صغيرة. اتخذ قرارات توصلك بالآخرين وتقرّبك من “النسخة التي تريد أن تكونها من نفسك”. لأن أقوى القرارات ليست بالضرورة الأسرع أو الأكثر كفاءة — بل هي الأكثر انسجامًا مع ذاتك.